بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 16 أكتوبر 1993

الحطيئة في واحدة من أجمل قصائد الشعر العربي/ مقال

هذه القصيدة للشاعر (( الحطيئة)) لعلها من أجمل قصائده .. بل من أجمل قصائد الشعر العربي التي تبلور أخلاقيات الرجل العربي ، وهي تتحدث عن قصة إعرابي فقيرمعدم، (( طاوى ثلاثٍ، عاصبِ البطن، مرملٍ)) يعيش في بادية غير مطروقة، أورثته وحْشة، وخلقت في نفسه جفْوة، وجعلته يأنس بالبؤس ويعدّه -لشراسته- من النعم.
وللأعرابي زوجة عجوز وثلاثة أبناء كأنهم أشباح، حُفاة عُراة، لم يطْعموا خبز الملّة، ولم يتذوقوا طعم القمح منذ خلقوا.
وطاوى ثلاثٍ عاصبِ البطنِ مرملٍ   **   ببيداء لم يعرف بها ساكنّ رسما
أخي جفْوة فيه من الإنس وحشة        **   يرى البؤس فيها من شراسته نُعْمَى
وأفرد في شعب عجوزاً وراءها        **  ثلاثة أشباحِ تخالهُم بَهْما
حُفاةٌ عُراةٌ ما اغتذوا خبز مَلّة           **  ولا عَرَفوا للبُرَ مذ خُلقوا طَعْما
عمد الشاعر ((الحطيئة)) إلى هذه الصّور الُمدْقعة، ليجسّد الفقر المريع الذي يعيشه هذا الإعرابي وعائلته ، ويخرج لنا مسرحية أخاذة، يستهلّها بوصف حالة هذه العائلة الفقيرة، المكوّنة من خمسة أشخاص ،المتفرّدة في بادية مُنْحازة غير مطروقة ، هذه الصّور لوضع العائلة والظّروف المحيطة من فقرٍ وجوعٍ واقتارٍ وإعدامٍ، عمد الشاعر إلى شحن ألفاظها شحناً شديداً، وتخيّر ألفاظها المؤثّرة ، ليكثف الظلال، ويُعْطي المزيد من الألوان، ويسلّط عليها سيلاً من المؤثّرات ((طاوى ثلاثٍ، عاصبِ البطنِ مرمل، ببيداء لم يُعْرف بها ساكن رسما، أخي جفوة، فيه من الإنس وحشة، يرى البؤس فيها نُعْمَى، أشباحٌ تخالهم بَهْما، حُفاة عُراة ، لم يطعموا خبز الملة، وماعرفوا للبر مذ خُلقوا طعماً)) هذه الألفاظ القويّة، تُجسّد حالة الفقر والوَحْشة والجَفْوة والبؤس، وتدفع المتلقِّي إلى تصوّر الإمْلاق الذي تعيشة هذه الأسرة، وتجعله يتهيّأ للإنزعاج من الضّيف الذي سيطرقهم ليلاً.. وبعد هذه المقدّمة والتهيئة، ينقلنا الشاعر إلى مشهد درامي ليزيد من جرعة التأثير النفسي، فبالرغم من هذه الظروف القاسية غير المواتية، التي جعلت الأعرابي يطوي ثلاثة أيام دون طعام، ويعصب بطنه من الجوع، يبرز وسط الظلام شبحٌ، يرتاع ُله الأعرابي، ويستبين الشبحُ عن ضيفٍ يطلبُ القِـرَى.. أي قِـرى يطلب!! وأي ضيافة ينشد؟؟ طارق الليل أورث هماً.. وأوجد غماً، من أين يضيفه؟ وكيف يُطعمه؟ أي مصيبة حلّت ، وأي نازلة نزلت ؟، فيلجأ الأعرابي إلى ربه متوسّلاً مبتهلاً ألاَّ يحرم ضيفه ( تالليلة اللحما ).
رأى شبحاً وسط الظلام فراعه   **   فلما بدا ضيفاً تشمّر واهتماً
فقال هيا ربّاه ضيفٌ ولا قِـرَى   **   بحقِّـك لا تحرمه تالليلة اللحما
ويزيد الشاعر من حبكة الدراما، بموقف التّضحية من الإبن الذي تطوّع مقترحاً على أبيه أن يذبحه ويُيسِّر القِـرَى لضيفه، ولا يعتذرْ بالعُدْم والفقر والفاقة، فلعلّ الضّيف يحسب أن لهم مالاً فيوسعهم ذماً.
وقال ابنه لما رآه بحيرةٍ             **     أيا أبت اذبحني ويسّر له طُعْما
ولا تعتذر بالعُدْمِ علّ الذي طرا    **     يظنُّ لنا مالاً فيوسعنا ذما
وتراود الأعرابي فكرة ذبح ابنه،  ويتروّى قليلاً إزاءها، ثم يحجم، وتعاوده الفكرة، ويطردها، ويعيش الأعرابي في هذا الجو النفسي البائس لبرهة يهمُّ ويحجم، ويتقدّم ويتردّد،
فروَّى قليلاً ثم أحجم بُرهة      **     وإن هو لم يذبح فتاه فقد همّا
وبين عزمه وتردّده، وبين إقدامه وإحجامه، يأتي الفرج بقطيعٍ من الحُمُرِ الوحشية، منتظمة خلف مِسْحَلها ، تسير نحو الماء لتروّي عطشها، فانساب نحوها، وأمهلها حتى ارتوتْ ثم أرسل من قوسه سهماً فأصاب إحداها وتأتي مراكبُ الفرح، وتأتي البُـشرَى، ويعُـمُّ السرور الأرجاء. عندما رأوا  أباهم يجر صيده . وقضوا حق الضيف كرماً وجودآ..
وبات والدهم من البشر أباً للضيف والأم من فرحتها أماً.
فيا بِـشْره إذ جرها نحو قومه        **     ويا بِـشْرهم لمّا رأوا كَـلْـمَـهـا يَـدْمِى
فباتوا كراماً قد قضوا حقّ ضيْفهم  **     فلم يغرموا غُرماً وقد غنموا غُنماً
وبات أبوهم من بشاشته أباً          **     لضيفهم والأم من بِـشْرها أما
يقدّم الشاعر لنا عالماً مُدْقِعاً من الفقر والفاقة والتوحّش والتفرّد، مستخدماً كما أسلفت تراكيب وأدوات مختاره، طرقات متصاعدة ليشدّ الذهن. واختار الشاعر من البحور البحر الطويل. ((وهو بحر جاد، واضح النغم، تؤدَّى عليه المواضيع الجاده، وأعاريضه طويله تتناسب مع السرد القصصي)).
والقافية حرف الميم. وهو حرف شفوي، حرص الشاعر على تحريك القافية ومدّها ليطلقها ويجعل لها جَـرْساً. وكان موفَّـقـاً بين الصورة والعرض المسرحي، وكانت الحبكة مُؤثّـرة، وموضوع القصيدة موضوع تراثي، فالكرم عادةٌ من عادات العرب، لايمكن التّخلّي عنه مهما كانت الظروف، وإلاّ كان سِبَّة يخلدها الدهر..
((وآنف من أخي لأبي وامي     **    إذا لم أجده من الكرام))
ومن أقبح الهجاء قول القائل :  ((هؤلاء قومٌ لا ينتجع معروفهم))..
والحطيئة تعرّض لمواقف عدّة من البخل، فتحوّل إلى آخرين، وهجا من قبلهم، في قصة معروفة، تسبّـبت في سجنه من قبل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى استعطفه بقوله:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ     **    زُغْـبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
فأطلقه -رضي الله عنه-، بعد أن استوهب منه أعراض المسلمين.
الرياض
رمضان ١٤١٤هـ المجلة العربية.

السبت، 29 أغسطس 1992

قفا ودّعا نجد(مقال)


لحظات الوداع صعبة و قاسية، وأصعب ما فيها أن يخون الرجل تماسكه، فيجهش حزناًً، أو يبكي تشوقاً، أو تغرورق عيناه من فرط الحنين، تلك هي لحظات عشتها وعايشتها، عندما اقترب موعد رحيلي ، وتثاقلت خطاي وكأني انتزعها اتزاعاً من (نجد) التي أحببت، من (نجد) التي عشقت. من (نجد) التي عشت فيها فترة النضج الزمني، وتغنيّت مع من تغنى بشيحها وقيصومها وعرارها
تمتّع من شيم عرار نجدٍ
فما بعد العشيّة من عرار
ألا يا حبّذا نفحات نجد
وريا روضه بعد القطار
ونجدٌ لفظٌ أهاج الحنين، وإنغرس في الوجدان، وتغلغل في الحنايا... وعندما ركبت الطائرة مُتْهِماً، تذكرت يحيى بن طالب الحنفي، أحدُ بني ذهل بن الدول ابن حنيفه. وهو رجلٌ كريم سخيٌ متلاف، يذبحالخراف ليُقري الأضياف كانت له ضيعة وأملاك باليمامة (( البرَة العليا )) فأصاب الناس جدبٌ فجلا أهل البادية ونزلوا قرقرى(١)، ففرّق فيهم (( يحيى بن طالب )) الغلاَت. فباع عامل السلطان املاكه. وركبه الدّيْن فهرب إلى خرسان، وشيّعه حتى ركب الزورق، فأغرورقت عيناه بالدموع وقال :
أحقاً عباد الله أن لست ناظراً
إلى قرقرى يوماً وأعلامها الغبر
كأن فؤادي كلما مر راكب
جناح غراب نهضاً إلى وكر
إذا ارتحلت نحو اليمامة رفقةٌ
دعاك الهوى واهتاج قلبك للذكر
تغربّت عنها كارهاً وهجرتها
وكان فراقيها أمرَّ من الصبر
لعل الذي يقضي الأمور بعلمه
سيصرفني يوماً إليها على قدر
تذكرت يحيى بن طالب الحنفي، وأغرورقت عيناي بالدموع مثله، وهتفت بقوله : (( وكان فراقيها أمر من الصبر )) طعمتُ طعمه، وتذوَقتًُ مذاقه، مع غصَة في الحلق ومرارة في الحلقوم.
ومن العجيب أن الطائرة عندما صعَدت، حلّقت فوق قرقرى كأنما عرفت ما أكنه من شوق، وما يعتمل في نفسي من حنين... فتمثّلت بقول بن طالب :
ألاَ هَلْ إلى شمِّ الخزامى ونظرة
إلى قرقرى قبل الممات سبيل
فأشرب من ماء الحجيلاء(١) شِرْبة
يداوى بها قبل الممات غليل

 
- جدة -
المجلة العربية- ربيع الأول ١٤١٣هـ.

الأحد، 22 مارس 1992

أحدّث عنك النفس أن لست راجعاً/مقال

أحدّث عنك النفس أن لست راجعاً
إليك فحزني في الفؤاد دخيل
أريد هبوطاً نحوكم فيردّني
إذا رمته دَيْنٌ عليّ طويل
اعتلجت لواعج الحنين، وتهيّجت عوامل الشوق، فداريت دمعة أوشكت أن تذرف، ونشيجاً كاد يعلو..
وتذكرت هارون الرشيد عندما انشدت بين يديه قصيدة يحيى بن طالب، وذُكرت له قصته فقال : يُقضى دينه، وتُعاد له ضيعته وأملاكه، فطُلب فإذا هو قد مات.
كم هو موجع على الإنسان شعور الحنين الممض، والشوق الذي يرمض ويمرض، الحنين إلى موطنه والشوق إلى دياره، فلا يستطيع أوبَه، ولا يقدر سلواً، فيعيش بين هم الغربة ولوعة الحنين.
((حننت إلى (نجد) ونفسك باعدت
مزارك من (نجدٍ) وشعباكما معاً
كأنك بدعاً لم تر البين قبلها
ولم تك بالألآف قبل مفجّعا
قفا ودعا نجداً ومن حل بالحمى
وقلَّ لنجدٍ عندنا أن تودّعا
بنفسي تلكُ الأرض ما أطيب الرُّبا
وما أحسن المصطاف والمتربّعا))
نعم بنفسي تلك الأرض وما أطيبها أرضاً وما أحسنها مصطافاً ومتربعاً.

الهوامش
١-قرقرى: أرض باليمامة، متاخمة لوادي الحيسيه، وهي الأرض التي بين ضرما والبرة.
٢-الحجيلاء: تقع في الجهة الجنوبية من البرة. 

ربيع الأول ١٤١٣  المجلة العربية

الأحد، 10 نوفمبر 1991

قراءة في قصيدة لسمو الامير عبدالله الفيصل (مقال)

<><><><> <><> <><> <><>


اختار لفظا يوائم المعنى
والا انت ظل ما لنا فيه مقيال
قبيل سنتين تقريبا-إن اسعفتني الذاكرة-قرات في مجاة اليقظة، قصيدة للشاعر الكبير
الامير عبدالله الفيصل . اعجبتني القصيدة، فسجلتها في دفتري، وجعلتها ضمن مختاراتي،
والقصيدة عذبة الجرس، حسنة التناول، خالية من التكلف. ورغم ان موضوع القصيدة
هو العتاب. الاا ان الشاعر- كدأبه-لم يتورط في الفاظ تخرج بالعتاب الى السباب، بل كظم
غيظه، ووارى غضبه، وانصف في الوصف، بأن الحبيب ظل، وبحر زلال، وحسن الاقبال،
والقصيدة تقول:
انا بليت بحبكم من هبالي
والا انت ظل ما لنا فيه مقيال
خيرك لغيري والشقا والعنال
والمشكل اني عارف كل الاحوال
ارمى بروحى في بحرك الزلالى
وتنسفنى امواجك على يابس الجال
أسأل فراشى كيف اقضى الليالى
بالليل لي حال ومعكم لي احوال
ومن خوفى العذال تدرى بحالى
ويكثر على من العذل قيل والقال
ابعدت خلانى وجيتك لحالى
وفرشت لك قلبى مقر ومدهال
و يوم ابعدنى احبالهم عن حبالى
ودريت انك عندنا غالى الحال
ابديت عقب الحب صرف الجفالى
وخليتنى محتار فى اشهب اللال
وطلبت رب عالم ما جرى لى
ماحط دون الخلق حاجب ومرسال
ومنحنى السلوان عالى الجلالى
ورد الحياة لسالم ما طلب مال
وابعد خيالك خالقى عن خيالى
وقصر على الليل من عقب ما طال
واليوم ترسل لى وتبدى الوفا لى
وتبدى لى اعذار قصيرات واطوال
تبى تجدد ما انقطع من وصالى
ترضى غرورك بس يا حسن الاقبال
ماعاد تخدعنى عقب ما بدا لى
وان عدت فيما عفت ما نيب رجال
وكما قلت اثرت فى القصيدة، قصة واسلوبا وموقفا، ورغم اعجابي بها، الا انى تهيبت ان اكتب عنها ، وكم مرة راودتنى فكرة الدخول في عالمها ، الا انى ارتد حسيرا ، ويبدو ان معاودة قراءتي للقصيدة شجعتنى فجلست اتمعنها واستجلى معانيها ، واتصور الشاعر محلقا كالقطامى ، يعيش حرا مرتفعا ، يقتنص صيده ، ولكنه في يوم ، غرته رفت جناح ، فانقض فإذا الشبكة مهيأة ، اقتنصته واسرته ، وطرحته فى مطارحها ، ولكن دوام الحال من المحال، وكأنى به طائفا من خيال الم ثم تولى . انى اذا الخل ولى وليته ما تولى وشدنى اول ماشدنى تلك الاستهلالة الرائعة القوية الصريحة
انا بليت بحبكم من هبالى
والا انت ظل ما لنا فيه مقيال
تخيلت الشاعر الكبير واقفا مغضبا يائسا عابسا ، موجها خطابه الى شخص محبوبه، فى نبرة واضحة، ومصارحة قوية، بأنه ابتلى بحبه، لقلة دربته، وقليل خبرته، بشخصية الحبيب. كانت فاتحة القصيدة، قوية صريحة ، لم يحتج فيها الشعر الى مقدمة وحيثيات ، بل رسم موقفه، وحدد استهلاله، بدخوله مباشرة الى الموضوع، مستخدما كلمة انا بليت القوية التأثير فى موقعها. والقاريء اى قاريء عندما يقرأ ذلك، لابد وان يدركه الفضول ، ليتساءل بماذا ابتلى الشاعر ؟، وتلك تهيئة جيدة بارعة للدخول الى عالم القصيدة. والشاعر مغرم بالاستهلال ، ويبدو لى انه يعمد الى تخير ما يستهل به قصيدته -اى قصيدة كانت- وأجزم انه قرأ كثيرا عن روائع الاستهلال عند المتنبى وعند غيره، فأسرته تلك الفكرة، ولا تسعفني الذاكرة للتدليل، على ذلك سوى قصيدته.
أكاد اشك في نفسي لاني
أكاد اشك فيك وانت منى
وكفى بهذا دليلا، يوضح توفق الشاعر فى الاستهلال الجيد القوى الواضح الصريح. ورغم غضبه اى الشاعر وحنقه، الا ان شدة الغضب، لم تحجب اعترافه بأن محبوبه ظل
والا انت ظل ما لنا فيه مقيال
لقد جعل الشاعر الحبيب ظلا ظليلا واسعا ممتدا، يقى من الهاجرة وشدة القيظ، مع ما يصاحب ذلك من نسيم عليل، والمأخذ على هذا الظل الوارف، ان ليس للشاعر فيه مقيال، ثم ما الذي ارتكبه الحبيب من ذنب لا يغتفر ، جعل الشاعر يصف حبه بانه ابتلاء نتيجة هباله ولم يفصح الشاعر عن الاسباب سوى
خيرك لغيرى والشقا والعنا لى
والمشكل اني عارف كل الاحوال
ومع علمنا وادراكنا ان المحب دائما في شقاء وعناء سببه البعد والنأي والهجر والصد ، بل وبعض الشعراء يستعذب ان ينال بمساءة، طالما خطر اسمه في بال حبيبه.
لئن ساءني ان نلتنى بمسبة
لقد سرنى انى خطرت ببالكا
والخير للغير ليس فيه ضير ان كان محسوسا، ولا يدعو ذلك الى القطيعة، ولعل التفسير فيما اجمله الشاعر بقوله
(والمشكل انى عارف كل الاحوال)
وأحسب ان التجربة كشفت عن عيوب، وأبانت من غيوب والمحب ينظر الى حبيبه نظرة مثالية، قد تبعد عن الواقع المادى كثيرا، وربما يكون الحبيب كثر دغله، وساءت طويته ، فعبر الشاعر عن استيائه، واختار موقفه. ويتكرر اعتراف الشاعر بميزة ثانية للحبيب بحره زلال
(أرمى بروحى فى بحرك الزلالى
وتنسفنى امواجك على يابس الجال)
ولا شك ان الشاعر وفق فى تصوير قوة الموج وشدته باتيانه بكلمة تنسفنى والتي جاءت فى موقعها ومكانها بديعة الاختيار ، اعطت لكناية تصورا محسوسا .. ولا عجب ولا غرابة من قدرة الشاعر على حسن اختياراللفظ ومواءمته للمعنى، فتلك ميزته، فهو شاعر قطف القول لما نور، وايقظ الوجدان باعذب بيان ، وهو كغيرة من العشاق يطول ليله، يتقلب فى فراشه، لايهنأ له بال، ولا يطيب له قرار
(أسأل فراشى كيف اقضى الليالى
بالليل لى حال ومعكم لى احوال)
ومع ان الشاعر توقى خشيته العذال ، ودفعا للقيل والقال، ابعد خلانه، وجافى قرابته، وفرش قلبه مقرا محلا، وعندما ابتعدت حبال الشاعر عن ربعه وخلانه، وعلم الحبيب انه غال وأثير، اساء المعاملة، ولم يحسن المقابلة، وابدى الجفاء، واظهر الجفوة، وتنكر للمودة، وبدل بالاقبال ازورارا وبرد السلام اختصارا.
ومن خوفى العذال تدرى بحالى
ويكثر على من العذل قيل والقال
ابعدت خلانى وجيتك لحالى
وفرشت لك قلبى مقرا ومدهال
ويوم ابعدن حبالهم عن حبالي
ودريت انك عندنا غالى الحال
أبديت عقب الحب صرف الجفالى
وخليتنى محتار في اشهب اللالى
ومن خلال هذه النفسية المتقلبة، التي ليس في قربها بشاشة نجاح ،أو انشوة ارتياح ،توجه الشاعر لخالقه، ورفع طرفه، وشكى ظرفه، فأكرمه الله بالسلوان، ورد اليه حياته.
وطلبت رب عالم ما جرى لى
ما حط دون الخلق حاجب ومرسال
ومنحنى السلوان عالى الجلالى
ورد الحياة لسالم ما طلب مال
وابعد خيالك خالقى عن خيالى
وقصر على الليل عقب ما طال
وكأني بالشاعر وقد وجد فى السلوان هناءة عيش، يردد قول الشاعر :
اذا ما عتبت ولم تعتب
وهنت عليك فلم تعن بى
سلوت فلو كنت ماء الحيا
ة لعفت الورود ولم اشرب
ومع هذا فان الشاعر لم يخل من الاتصاف بحسن الانصاف، فيصف الحبيب بأنه حسن الاقبال ،فى معرض العرض عن تجديد الوصال .
تبي تجدد ما انقطع من وصالى
ترضى غرورك بس يا حسن الاقبال
ولكن الحبيب ابدى (شقاشقه وغطا مخارقه) ، اظهر ميلا وقولا جميلا ،وارسل للشاعر يمنيه بالوفاء ،بدل الجفاء ،وبالحظوة بدل الجفوة، ولكن الشاعر ادرك المكايد، وعرف المراصد ،فطوى الرشاء، واعد الرحل ،وتمثل بقول الشاعر :
ولن يزيح هموم النفس اذا حضرت
حاجات مثلك الا الرحل والجمل
فالعوائق قد بثت يمنة ويسرة ،جعلت المنى حسرة، ولم يعد ينخدع بقول جميل، وخد اسيل، وآلى على نفسه ألية ،الا يرتضي الدنية .
ما عاد تخدعني عقب ما بدا لي
وان عدت في ما عفت مانيب رجال
وأسدل الشاعر الستار على قصة حب، أورقت واظلت ،كانت بدايتها هناءة عيش، وسعادة قلبين، وتعلق روحين ،ولكن نبتة الحب لم تجد تربة صالحة ترعاها وتراعيها ،وتعهدها وتتعهدها، فذوى الحب وتعطلت دواعيه، وانكفأت اسبابه، فكانت اللحظة المأساوية ،وانتهت القصيدة ،بنهاية قوية عنيفة معبرة، ونسطيع أن نقول ان الشاعر وفق فى الاستهلال ووفق في الختام، وكانت قصيدته جميله رائعة، تنساب في رقة الى النفس، فتتفاعل معها قصة وبناء واسلوبا وموقفا.

نشرت في جريدة عكاظ  سوق العصر السنة الثالثة والثلاثون  العدد ٩٢٤١الاحد جمادى الاولى ١٤١٢هـ

الخميس، 18 يناير 1990

الصوت المكسور (مقال)

لكل حركة في الوجود نغم مميز ومتميز، كانت هذه العبارة مجمل ما يردده صديق لي، يتعشق النغم هواية لا غواية، كنت واياه في عصر الشباب نختلف إلى القديرة، ونقتعد قهوة القبوري عصير كل يوم، حيث ضفة وادي شرب. وجنوبيه ثنية جبال النمار التي تصعد فيها السيارات متجهة للطائف ويسمع لسيارات اللوري صوت كأنما تئن اثناء صعودها ، فاذا سمع صاحبي الانين (( انين السيارات اثناء صعودها في تلك الثنية )) سكت وانصت هنيهة ثم قال: (جاركا).. ومرة اخرى يقول (بنجكا) فاذا سألته قال :  ( لكل حركة في الوجود نغم ...الخ ) وبدأت انذاك انصت لانغام الشعر. واتحسس جرسه، واطرب لموسيقاه، فالشعر جرس وموسيقى ، اقول ما اقول توطئة لترجمة شعوري اثر ماقرأته في جريدة ( الرياض) العدد (٧٨٦٩) الصادر يوم الاثنين ١١ / ٦ / ١٤١٠ هـ للاستاذ الاديب الكاتب محمد رضا نصرالله في عموده (أصوات) فقد اورد بيت شعر لأبي نواس، وكتب البيت هكذا
(( قل لمن يدعي في العلم معرفة          حفظت شيئا وغابت عنك اشياء))
والغريب أن هذا البيت أورده بصيغته هذه في نهاية مقالته ، وكأنما يصر على الخطأ في نقله.. وتذكرت ما أورده صاحب نفح الطيب من استقبال أبي علي القالي ((صاحب الأمالي)) عندما وفد من بغداد إلى الأندلس ، واستقبل استقبالاً عظيماً يليق بأدبه وعلمه وكان من ضمن المستقبلين ابن رفاعه الالبيري وهو من اهل الادب والمعرفة فتذكر الجمع في طريقهم الأدب وتناشدوا الأشعار فأنشد أبو علي القالي قول الشاعر (أعرافها لأيدينا مناديل) فأنكر ذلك ابن رفاعة، واستثبت من ابي علي القالي، وفي كلتا المرتين أنشده (أعرفها) رغم أن صحة عجز البيت ((اعرافهن لأيدينا مناديل))
فلوى ابن رفاعة عنان فرسه منصرفا وقال : ((مع هذا يوفد على أمير المؤمنين ، ونتجشم الرحلة لتعظيمه وهو لايقيم وزن بيت مشهور بين الناس، والله لا تبعته خطوة ، وانصرف عن الجماعة)).
أوردت ما أوردت تدليلا ان معرفة العروض قد يخلو منها أكابر الأدباء وأهل المعرفة مثل أبي علي القالي رغم علو كعبه في الأدب .. ولكن رغم هذا قلت : سامحك الله يانصرالله. ولما رددت ذلك وجدت ان عبارتي مموسقة تدرج في نطاق التفعيلات وصحة البيت الذي أورده الاستاذ محمد رضا نصرالله كالآتي:
((فقل لمن يدعي في العلم معرفة
                حفظت شيئا وغابت عنك أشياء))
وهو من قصيدته التي بدأها بقوله:
((دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
                   وداوني بالتي كانت هي الداء))
وروي أن أبا نواس صحب في صباه إبراهيم النظام ثم افترقا، وكان النظام خلال ذلك قد اعتنق مبادىء المعتزله، فلما التقيا بعد ذلك. دعا أبا نواس لاعتناق مذهبه، ولامه على شرب الخمر، ومجاهرته بالعصيان، وخوفه من عاقبة ارتكابه للكبائر، لأن مرتكب الكبيرة في رأي المعتزله مخلد في النار ، فعرض به في هذه القصيدة وقال:
((فقل لمن يدعى في العلم معرفة
                 حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
لاتحظر العفو إن كنت أمراً حرجا
                      فإن حظركه في الدين ازراء))
والأبيات من بحر البسيط .. وان كانت كلمة ((حظركه)) ثقيلة في السمع غير مقبولة للطبع .. ولأبي نواس ابيات من جميل الشعر ورائعه منها قوله في الزهد
((من لم يكن لله متّهماً
                     لم يمس محتاجا إلى أحد))
وقوله:
((وما الناس إلا هالك وابن هالك
                 وذو نسب في الهالكين عريق
اذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
                  له عن عدو في ثياب صديق))
ومن روائع الابتهالات قوله:
((الهنا ما أعدلك
         مليك كل من ملك
لبيك قد لبيت لك
           وكل من اهل لك
والملك لاشريك لك
        ماخاب عبد سألك
أنت له حيث سلك
         لولاك يارب هلك
لبيك أن الحمد لك
   والملك لا شريك لك
والليل لما أن حلك
والسابحات في الفلك
على مجاري المنسلك
     يامخطئا ما أغفلك
عجل وبادر أجلك
    واختم بخير عملك))
اللهم اختم بالصالحات اعمالنا
جريدة الرياض
الخميس ٢١ جمادى الآخرة ١٤١٠هـ
١٨ / يناير / ١٩٩٠م
العدد ٧٨٧٩ السنة السادسة والعشرين

الاثنين، 15 يناير 1990

المجلة العربية وجيد الشعر (مقال)

<><> </><><> </> <><> </>

مع انسياب نهر الضياء صبيحة الاول من جمادى الثانية ١٤١٠ هـ طالعتنا المجلة العربية في ثوب قشيب. ومضمون رقيق. حوت كعادتها انواعا شهية من ثمار الفكر ونتاج الثقافة والعلوم. طالعتنا تختال وتدل بمحتوياتها العبقة (سوانح الذكريات، تباريح، مرافىء... الخ) وكانت قصيدة الشاعر عبدالله محمد الشهري مع صدق لهجتها، وعذوبة الفاظها، ورقة معانيها، تبين عن التزام وتمسك الشاعر عقيدة وهوية وانتماء... والشاعر عبد الله الشهري من جيل الصحوة الصاحية، لم يغرب ولم يتغرب، قرأنا له في (المجلة العربية) في عدد سابق قصيدة (ازهار واحجار) اشاد فيها بابطال الحجارة.. فكانت تناولاته -كعهدنا به - تعبر عن آمال وتعايش للمجتمع ، باسلوب جيد ملتزم ، وهو شاب في العشرينات من العمر تعلق بالمسجد ، فأضاء قلبه ، وعمر فؤاده ، فجاء شعره رزينا رصينا.. ينبيء عن شاعرية متدفقة ذات رونق وبهاء وصياغة وايقاع .. الشعر نغم عذب تتفاعل معه المشاعر وتهفو له الافئدة ، وتطرب له الحواس. هذا ان كان جيدا ، سواء فيه ما كان وجدانيا أو تأمليا ، فالجيد من شعر مقروء ومسموع ومقبول ومتقبل ، والغث منه ، يصرف النظر، ويمجه السمع والذوق . حتى ولو كان غزليا يداعب العاطفة التي تميل هوى.. هذا بالطبع لمن يتذوق جيده وتنبوا أسماعه عن غثة وغثائه ، أرأيت طبقا شهيا اجاد فيه طباخه ، واتقن سبكه من قدمه ، لا تقبل عليه الايدي!! بل العكس نجد الشهي من الطعام يطلب ويرغب، بعضهم يضرب اليه اكباد الوسائل ليذوقه ويتذوقه .. كذلك الجيد من القول شعرا أو نثرا . كان هذا شعوري وانطباعي عندما قرأت قصيدة الاخت حصة ابراهيم العمار ، فالقصيدة سامية الهدف ، واضحة المعنى، جيدة السبك، أجادت فيها تصوير الجهاد الاسلامي في افغانستان . فشدت النظرات واطربت الاسماع ، بدأت القصيدة قوية النبرات عالية الجرس
(أقبل .. أدبر وتكسر كالبلور )
(مثل الامواج على .. شطآن النور)
ثم تتعالى نبرات النص
(وتخيل أن الليل غطاء من كافور)
( بأن الصبح نشور)
وتشهد اللهجة لاندحار الظلام.
(إمايهتك ستر الظلمة)
(ويشتت اشتلاء الديجور)
ان لوقع الكلمات (يهتك، ويشتت، أشلاء) قوة ارتفعت نبرتها، وبهرتني حدتها، وجاء حرف (إما).. قبل كلمة (يهتك) عنيفا قويا ، وكانما اراددت الشاعرة ان تهز احساسنا بموقف المجاهد المسلم الذي يهنأ بظل الليل، ويخشى النهار، ذلك قليل من المخاطر التي عاشها ويعيشها كل مجاهد.. ان اللهجة الآمرة في فاتحة القصيدة وفي ثناياها (اقبل، ادبر، تكسر، حطم، لا تخش عيون الرقباء ، واحلل كل قيود الذل ، تحرر من قيد النمر الماسور .. هي الصيغة التشجيعية التي اختارتها الشاعرة لتزيد من عزيمة المجاهد الافغاني المسلم ، الذي يواجه حربا ضروسا وعدوا شرسا، وحياة صعبة ، وظروفا غير مواتية . وليس صحيحا ان اعذب الشعر اكذبه ، بل العكس ، يثبت ذلك ما رسمته الشاعرة (حصة ابراهيم العمار) في قصيدتها من صور واحاسيس ومشاعر ومواقف جاءت حصيلة معايشة حقيقية ، فانداح صدق اللهجة يغمر الفاظها بالنور ، ويعمر معانيها بالضياء، ومع ان البعض داخله قليل من الشك في حقيقة الجهاد الاسلامي في افغانستان ، زاد من جذوة ذلك ما كتبه الحاقدون من وكالات الانباء ، وما روجه الكتبة الغربيون. فجاءت قصيدة الشاعرة تبرز نصاعة الجهاد ، وتزيد من قناعتنا بسمو هدفه ، ونبل غايته ، وانه ليس مجرد تغيير نظام ورغبة حكم . اللهم انصر المجاهدين في افغانستان وثبت اقدامهم ، ووحد هدفهم ، وزلزل اعداءهم، انك ولي ذلك والقادر عليه، والحمدلله رب العالمين.

المجلة العربية وجيد الشعر
الجزيرة
ادب وثقافة
الاثنين ١٨ / جماد الاخرة/ ١٤١٠هـ
٢٥الجدي هـ ش - ١٥ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٠- العدد ٦٣١٨

الأحد، 27 مارس 1988

أمْــنُ الــطّــريــق

             غــرسْـتُ الــمــحـبّـةَ فـي كــلِ وادْ
             ووشّــيـتُ " دوريَّــتــي " بـالـوِدادْ
             وكـحّـلـتُ عـيـنـي بـلـيـلِ الـسُّـهـادْ
             وخــلـّـيــتُ فــي الــدرْبِ أمْـــنــا
             وأزْهــرْتُ فــي الــدّرْبِ مـعْـنَـى
             وقُــلْــتُ لــمَــنْ جــاءَ يــسْــعـَـى :
                رُويــْدك ،، لــلـدّربِ حـقٌ
                      ولـلأهــلِ حـقٌ
             فـلا تُـهْـدِرِ العُـمْـر فـوق الـطّـريقْ
              ولا تـسـتخـفَّ بـحـقِ الـرّفـيـقْ
              
              ***********************
             حَـذارِ عـلـيـكَ مـن الـغـائـلـهْ
              وخـشْـيـةَ  حـادثـةٍ  قـاتـلـه
                تـنـام ... وأصْـحــو
                تــشــقُّ ... وأرْفــو
                لـحـقّ الــطّــريــقِ
                وأمــن الــرفّــيــقِ
             وقـلـتُ لـمَـنْ جــاء يـسْـعَـى :
             رُويْــدك ،، لــلــدّربِ حــقٌ
                 ولـلأهــلِ حــقٌ
             فـلا تُـهْـدِرِ الـعُـمْـر فـوق الـطّـريـقْ
             ولا تــسْــتــخــفّ بـحــقِّ الـرّفــيــق

                   *****************
                ألا يـــا ســـنـــابِـــلَ آمـــالــــنـــا
             ومـسْـتـقــبــلِ الـعُــمْــرِ فـي صُبْحِنا
             دعــونــا نــمــدُّ جــســور الـمـحـبّـه
                        لـكـل الأحـبّـه
             ونـــغْـــرسُ فــي الـــدّربِ زهْــــرا
             ونـــنـــثـــر فـي الــدّربِ عـــطْــرا
                        نـعـيـشُ وئـامـا
                       ونـلْـقـَى سـلامـا
                     ونـرْعَـى الـرّفـيـق
                     وحــقّ الــطّـريــق
             ونـــنْـــصـــحُ مَـــنْ جــاء يـسْـعَـى :
               رُويــــدك ،، لـــلـــدّربِ حــــقٌّ
                       ولــلأهــلِ حــقٌ
             فـلا تُهْـدر الـعُـمْر فـوق الـطّـريـق
             ولا تـسـتـخـفّ بــأمْــنِ الــرّفــيــق
                
***************************            
             نــــحـــوطُــــكَ دوْمــــآ بــأهْـــدابــنــا
             ونــــرْعـــاكَ دوْمــــآ بــأكْــــبـــادنـــا
             ونــدْعــو الإلــه لــكــيْ يــحــفــظــكْ
             ونـــرجــــو أبــاك لــكــي يــرْدعـــكْ
             ونخْـشَى عـليكَ ، لئلاّ تكون الـضّحيّهْ
             ونـــبْـــكــي عــلـــيـــكَ إذا صــــرت
             ـــ بــالــرّغْــمِ عــنــا ـــ  ضــحــيـّــهْ
             ونــنْــصــحُ مَــنْ جـــاء يـــسْـــعــى :
                رُويـــدكَ ،، لـــلــدّرْبِ حـــقٌّ
                        ولـلأهـلِ حـــقْ
             فـلا تُهْــدر الـعُـمْـر فـوق الـطّـريـق
             ولا تــســتــخــفَّ بــأمْــنِ الــرّفـيـق

************************           

             يــلــومــونَ دوْمــآ رجـــال الـــمُـــرورْ
             ولــمْ يُــدْركــوا مــا يُــلاقــي الــمُـرورْ
                       وجُـــنْـــد الـــمُـــرورْ
             إذا فـــاز مُـــنْـــتـــخـــبٌ أو فـــريـــقْ
             تـسـيــلُ الـمـآسـي بــنـهْــرِ الــطـريـقْ
             ويــُنْــسـى الـجــوارُ وأمْـنُ الــرّفـيــق
             وتـــبْـــدأ مـــهْـــزلـــةٌ مُــــحْــــزنـــهْ
             تُــجــسّــدُ لــوعـــتــنــا الــمــُزْمــنــهْ
ويـبْـقى عـلى الـدّربِ جُـنـْدُ الـمُـرورْ
          وحـــــسْـــــرةِ أهــــــلِ الــــمُـــــرورْ
                  نُـــراعـــي .. ونـــرْعَـــى
                 ونـــشْــــقَــَـى ونــسْــعـَــى
                 وآبــــاؤهـــمْ غـــافـــلـــونْ
                 ولا يـعْـتـنـونَ ولايـسْـألـونْ                  
يُـــحـــيـــكـــون صـــفْـــقـــة دهْــــرٍ
وضــــيـْـــعــــةَ إبــــْنٍ وعُــــــمْــــرِ
فــيـا حــسْــرتـاهُ .. ويـا حــسْــرتـاهْ
عـلـى هـــذهِ الــثّــرْوةِ الــضــائـعــهْ
عـلـى هـــذهِ الــطّــاقـــةِ الــرّائـعــهْ
ونـنْـصـحُ مـن جـاء يـسْـعـى :
رُويـْدكَ ،، لـلدّربِ حــقٌّ
  وللأهْــلِ حــقْ
فـلا تُـهْـدر الـعُـمْـرفـوق الـطّـريـقْ
ولا تــسْــتــخــفَّ بـأمْـنِ الـرّفــيـقْ

**********************

أعـــيـــذكـــمُ يـا رجـــالَ الــمُـــرورْ
أعـــيـــذكـــمُ مــن بــلاءِ الــغُـــرورْ
ومــن احْـــتـــدامٍ وطـــبْـــعٍ نــفــورْ
فـكـونـوا كـنـخْـلٍ بــعــيـد الـمَــنــالْ
عــن الــحــقْــدِ مــرْتــفــعٍ لايُــنــالْ
يُـصابُ بـصخْـرٍ فـيُـعْـطـي الـثّـمَـرْ
ويــشْــكــو أســاهُ لـضـوءِ الــقــمـرْ
يـــُتــوِّجُ هــامــاتــهُ بــالــسَّــحــابْ
ويــغْــمــسُ أقْــدامَــه فـي الـعُـبـابْ
ويـــسْــــقـــي الــــمــــواطــــن ودَّآ
ويــــرْسُــــمُ فـــي الــــدّمْــــعِ ورْدا
      لأمْــن الــطّــريــقِ
      وأمْـــن الــرّفــيــقِ
ونــنْــصــحُ مَــنْ جـــاء يــسْــعـَـى :
رُويــــْدكَ .. لــــلــــدّرْبِ حـــــــقٌّ
         ولــلأهْــلِ حـــقْ
فـلا تُـهْـدر الـعُـمْـرفـوق الـطّـريـقْ
ولا تــسْــتــخــفَّ بـأمْـنِ الــرّفـيـقْ

**********************
                   
بـــلاديَ مَـــفْـــخــــرةٌ لــلــزّمــانْ
وواحـــــةُ أمْـــــنٍ وبَــــرُّ أمـــــانْ
وقـلْـبٌ يـفـيـضُ بـأغْـلَـى الـحَـنـانْ
تُــنــاشــدُنــا .. أن نـكـونَ رجــالا
ونــحْــفــظ  حــالآ ، ونـحْـفـظ آلا
   ونُــغْــلــيَ مــا أنْـــجـــزتْ
   ونــحْــفــظ مــا قــدْ بــنــتْ
   ونـــرْعَـــى الـــطّـــريـــقَ
   ونـــرْعَـــى الـــرّفـــيــــقَ
ونـــنْـــصــحُ مَــنْ جـــاء يــسْــعَــى :
   رُويــْدك ،، لــلــدرْبِ حــقٌّ
         ولــلأهْــلِ حــقْ
فـلا تُـهْـدر الـعُـمْـر فـوق الـطّـريـقْ
ولا تــسْــتــخــفَّ بأمْـن الــرّفــيــقْ

نشرت في جريدة الجزيرة العدد 5659 يوم الاحد 9 شعبان 1408 هـ الموافق 27 مارس 1988م