بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 يناير 1990

المجلة العربية وجيد الشعر (مقال)

<><> </><><> </> <><> </>

مع انسياب نهر الضياء صبيحة الاول من جمادى الثانية ١٤١٠ هـ طالعتنا المجلة العربية في ثوب قشيب. ومضمون رقيق. حوت كعادتها انواعا شهية من ثمار الفكر ونتاج الثقافة والعلوم. طالعتنا تختال وتدل بمحتوياتها العبقة (سوانح الذكريات، تباريح، مرافىء... الخ) وكانت قصيدة الشاعر عبدالله محمد الشهري مع صدق لهجتها، وعذوبة الفاظها، ورقة معانيها، تبين عن التزام وتمسك الشاعر عقيدة وهوية وانتماء... والشاعر عبد الله الشهري من جيل الصحوة الصاحية، لم يغرب ولم يتغرب، قرأنا له في (المجلة العربية) في عدد سابق قصيدة (ازهار واحجار) اشاد فيها بابطال الحجارة.. فكانت تناولاته -كعهدنا به - تعبر عن آمال وتعايش للمجتمع ، باسلوب جيد ملتزم ، وهو شاب في العشرينات من العمر تعلق بالمسجد ، فأضاء قلبه ، وعمر فؤاده ، فجاء شعره رزينا رصينا.. ينبيء عن شاعرية متدفقة ذات رونق وبهاء وصياغة وايقاع .. الشعر نغم عذب تتفاعل معه المشاعر وتهفو له الافئدة ، وتطرب له الحواس. هذا ان كان جيدا ، سواء فيه ما كان وجدانيا أو تأمليا ، فالجيد من شعر مقروء ومسموع ومقبول ومتقبل ، والغث منه ، يصرف النظر، ويمجه السمع والذوق . حتى ولو كان غزليا يداعب العاطفة التي تميل هوى.. هذا بالطبع لمن يتذوق جيده وتنبوا أسماعه عن غثة وغثائه ، أرأيت طبقا شهيا اجاد فيه طباخه ، واتقن سبكه من قدمه ، لا تقبل عليه الايدي!! بل العكس نجد الشهي من الطعام يطلب ويرغب، بعضهم يضرب اليه اكباد الوسائل ليذوقه ويتذوقه .. كذلك الجيد من القول شعرا أو نثرا . كان هذا شعوري وانطباعي عندما قرأت قصيدة الاخت حصة ابراهيم العمار ، فالقصيدة سامية الهدف ، واضحة المعنى، جيدة السبك، أجادت فيها تصوير الجهاد الاسلامي في افغانستان . فشدت النظرات واطربت الاسماع ، بدأت القصيدة قوية النبرات عالية الجرس
(أقبل .. أدبر وتكسر كالبلور )
(مثل الامواج على .. شطآن النور)
ثم تتعالى نبرات النص
(وتخيل أن الليل غطاء من كافور)
( بأن الصبح نشور)
وتشهد اللهجة لاندحار الظلام.
(إمايهتك ستر الظلمة)
(ويشتت اشتلاء الديجور)
ان لوقع الكلمات (يهتك، ويشتت، أشلاء) قوة ارتفعت نبرتها، وبهرتني حدتها، وجاء حرف (إما).. قبل كلمة (يهتك) عنيفا قويا ، وكانما اراددت الشاعرة ان تهز احساسنا بموقف المجاهد المسلم الذي يهنأ بظل الليل، ويخشى النهار، ذلك قليل من المخاطر التي عاشها ويعيشها كل مجاهد.. ان اللهجة الآمرة في فاتحة القصيدة وفي ثناياها (اقبل، ادبر، تكسر، حطم، لا تخش عيون الرقباء ، واحلل كل قيود الذل ، تحرر من قيد النمر الماسور .. هي الصيغة التشجيعية التي اختارتها الشاعرة لتزيد من عزيمة المجاهد الافغاني المسلم ، الذي يواجه حربا ضروسا وعدوا شرسا، وحياة صعبة ، وظروفا غير مواتية . وليس صحيحا ان اعذب الشعر اكذبه ، بل العكس ، يثبت ذلك ما رسمته الشاعرة (حصة ابراهيم العمار) في قصيدتها من صور واحاسيس ومشاعر ومواقف جاءت حصيلة معايشة حقيقية ، فانداح صدق اللهجة يغمر الفاظها بالنور ، ويعمر معانيها بالضياء، ومع ان البعض داخله قليل من الشك في حقيقة الجهاد الاسلامي في افغانستان ، زاد من جذوة ذلك ما كتبه الحاقدون من وكالات الانباء ، وما روجه الكتبة الغربيون. فجاءت قصيدة الشاعرة تبرز نصاعة الجهاد ، وتزيد من قناعتنا بسمو هدفه ، ونبل غايته ، وانه ليس مجرد تغيير نظام ورغبة حكم . اللهم انصر المجاهدين في افغانستان وثبت اقدامهم ، ووحد هدفهم ، وزلزل اعداءهم، انك ولي ذلك والقادر عليه، والحمدلله رب العالمين.

المجلة العربية وجيد الشعر
الجزيرة
ادب وثقافة
الاثنين ١٨ / جماد الاخرة/ ١٤١٠هـ
٢٥الجدي هـ ش - ١٥ كانون الثاني (يناير) ١٩٩٠- العدد ٦٣١٨

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق