بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 29 مارس 1998

خود تزف الى ضرير مقعد(مقال)


الحياة أصبحت سريعة النبضات، مجهولة القسمات، لا يدرك منها الناهل إلا وشلا، ولا يصيب الوالغ إلا قليلا، أغرت الناس فاستزادوا منها، ودارت بهم فاستداروا، وجرت بهم فأسرعوا،.... دخلوا دوّامتها، ولم يخرجوا من ربقتها، استعبدتهم فارتضوا، واستخفّتهم فأطاعوا، مشوا مع تيارها، ورقصوا على إيقاعها ، جرَّدتهم من كثير يحمد لهم ويحمد فيهم، كان الناس - يوم كان الناس - صلة واتصالاً ، كان فيهم وشائج القربى وسوانح المعروف، كان فيهم التراحم والرحمة، كان فيهم الزيارة والتعهّد ، لم يبق من ذلك إلا آثار لا تبين، وذُبالة لا تُضيء.. حتى في أعيادنا الإسلامية والتي من الواجب شرعاً وعرفاً أن نصل ونتواصل فيها، نصل الرحم، ونتواصل بالمعروف، وأدْنا فرحتنا، وأقفلنا منازلنا، وبدأنا نعوّد ناشئتنا على الهروب من هذه الأعياد المباركة الطيبة، ولم تعد لقاءاتنا تتم إلا في فرح قريب لا يمكن الإعتذار منه، أو ترحٍ في عزيز غال.

وفي الأعياد استبدلنا بالمعايدة الشخصية، بطاقات التهاني ، وبرقيات أثرية، وهذه قلما يطلع عليها من أرسلت له. لقد تجمّدت صلاتنا، وتجمّدت عواطفنا، وكم حدّثت نفسي وتحدّثت، أقول معاتباً لها : تدبّجين التهاني، تتخيرين الألفاظ، وتزاوجينها مع المعاني، تضيفين إليها إشراقة الصباح، ترسمين من المودّة الواناً، ومن المحبة أطيافاً، ترصِّعين بالنجوم جيدها وبالسائرات جدائلها، أملاً أن يقرأها من بُعثتْ له، ورغبة أن يطلع عليها من أرسلتْ له، ورغبة أن يستلمها من أهديت له، فتزدان بقراءته، وتحسن بجميل انطباعه، ومع الأسف قليل من يتكرم بنظرة، أما الأكثرية فانحجبوا واحتجبوا، تواروا بانشغالهم، وتذرّعوا بمشاغلهم (( إنما تُرتجَى إذا كان شُغْـلُ)).. مهامهم أكبر من إلقاء نظرة على ما يبعث لهم من تهانٍ وتمنّيات، ووقتهم لا يسمح لهم بقراءة هذه الترّهات، وليس لديهم وقت يقضونه في استقبال هذه العواطف التي عصفت بها العواصف، وهي آخر ما بقي لنا من صلة واتصال وتراحم، اللهم رد بنا خيرا.


- الرياض -

المجلة العربية - ذو الحجة - ١٤١٨ هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق