بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 15 يوليو 2011

زمان الصِّبا كانت هناك ملاعبه (مقال)

كان الطّائف منتجعاً تأنس فيه النّفوس وترتاح له القلوب وتنتعش بنسائمه العذبة الأفئدة ، كان برده خَصِراً، وصيفه معتدلاً، وهواؤه عذباً ، وماؤه نقياً ، وثماره جنيّة ، وأوقاته هنية... عشت فيه ميعة الصِّبا ورأد الشّباب، نمرح أنا ورفاقي في رياضه ، ونهزج في تلاله ووديانه، ويحفّنا الأنس في بستانه 
زمان الصِّبا كانت هناك ملاعبه 
وعهد الصّفا العذب كانت مشاربه (١)
 ايام قروى في الزّمان ضواحكٌ
بها روض أحلامي تفوح أطايبه 
كان الطائف بستاناً أينما توجّهت ، وحديقة غناء أينما سرت ، أستلهم فيه المناجاة ، وأُحلِّق مع الأفكار عندما أكون خلياً من السّمار ، كانت لي محاولاتي المتواضعة مع الشِّعر أتعثّر فيها وأقف ، وأتغزّل وأعف ، حتى غاشيتني غاشية طلّقتُ فيها الشّعر ولم أحترفه ، فالشّاب له مثاليّاته ، وعندما إشتممْتُ بادرة وساطة في مجال الشعر تركته عزوفاً ، وما كل ما يُعرف يُقال.

كنتُ إبّان ولعي بالشّعر أنشأتُ بيتاً يتيماً بقيَ على يتمه حتى شاب فوده وتغضّن عوده ،
قلت : 
ألا أيّهذا الطائف العذب نبّني
فقد فاح لي من روض أحلامكَ العطر
كانت محاولات تتّسم بالعفويّة ، ليس فيها عمق التجربة أو قوّة السّبك ، ولكنّها وليدة شعور واختلاج مشاعر، قلت في إحداها: 
أين الحويّة أياماً بها إنصرمتْ؟ 
وأين مثناتنا أم أين مغناك ؟ 
وأين بالقيم بيتاً كان يجمعنا ؟ 
قد كان ما كان أين الآن مثواك ؟ 
إلى أن أقول فيها 
يا رُبّ داعِ من الأعماق مكتئبٌ
قد بذّهُ الصحب والأهلون إلّاك 
يرى الحياة سراباً في تقلُّبها 
فما تطيبُ له إلّا بمرآك 
رفْقاً بها يا إلهي رحمةً بشجٍ
 وقرِّ سلمى فدار الخُلد مأواك

قال لي صاحبي أأنت من يُقرّر؟ قلت يرحمك الله إنما هي دعوة ورجاء ، والمولى عز وجل تعهّد بالاستجابة (ادعوني أستجبْ لكم)
يذكر الطّائف من عاش فيه يوم كانت ظلاله وارفة ، ودموع سحائبه ذارفة ، وكأنّما هي على موعد بُعيد كل ظهر فتهمي السّماء بالغيث والرحمة ، تُفرحُ النفوس ، وتُنعش القلوب ثم تغادر بعد أن عطّرتْ الأجواء ونشّطتْ الأحياء، فيسيل ثعباً ويجري مسيلا ، ويخرج النّاس للنزهة في مسارح الردّف ومغاني شهار والقديرة ومراتع السّداد والرّميدة ووادي وج ووادي شرْب .
بُشراك وجٌ واليفضْ 
فيك السّحاب مُسخَّرا (٢)
وسقاك مُنجى الحيا 
غيثاً ملثّاً ممطرا 
ما أنت إلا جنّةً
وبك المصيف تطوّر
كان الطائف يعجُّ بالأُنْس من جبرة الى الشفا ، ومن الوهيط إلى جلدان ، ومن مسرّة إلى الجال ، ومن غدير البنات إلى المثناة .
يا روابي الشّفا ووج وقروى 
وسفوح الهدا و ام العراد (٣) 
هكذا زغْردي وميسي حبوراً 
وتغنِّي المجرور في كل وادي
نذكر الطائف بنسيمه العذب وفضائه الرّحب، نذكره بعنبه ورمّانه ومرتع غزلانه في واديه وبستانه ، نذكره بملاعب الغيد ومسارح الصّيد 
تلفتي يا ضبية الرّدف
مختالةً بقدّك الأهيف (٤) 
عيناك نجلاوان ما أبصرتْ 
غير فتىً في حبّها مُدنف 
لا تختفي عن ناضري إنّني 
أعيذُ هذا الحسن أن يختفي 
فشعرك الفاحم ديباجةٌ 
من الجمال الظّاهر المختفي 
وثغركي الوضّاح إيماءةً 
للرّاشف الهائم بالمرشف 
والنّحر والصّدر وياليتني 
بينهما كالشّال والمطرف
شارة الطائف البهيّة الجمال ، من أودية وسهول وجبال ، وعسل يُشْتار، وأشجار وثمار، وحدائق وبساتين بهجة للقلب والعين . 
إن وجاً وسامح الله وجاً           لم يدع لي إلى السّلامة نهجى 
كان ليلي به مسيلاً من النّو     ر ويغْشى جوانب العيش وهْجا

كان الطائف متنفّساً للزائرين، ومنتزها للمتنّزهين ومنتجعا للمنتجعين ، ومصيفاً  للمصيّفين ،يُعسْعس ليله في أمان، ويتنفّس صبحه عن إطمئنان ، جباله تُعانق السحاب وتلاله تأتزر بالضّباب 
أين المصيف وأيامٌ به سلفتْ ؟ 
وأين يا طير أحبابي وخلّاني ؟(٦)
أين الجبال التي تكسو أعاليها 
بمذهبٍ من كثيف السُّحْب هتّان
 وأين منّي شهارٌ أين هضْبته 
يا حبّذى فيه أفراحي وأحزاني
نذكر الطائف بخَصِره وبرده وشذا أزاهيره ونفحات ورده ، نذكره بكل حفيٍ غير ملول يركب كل صعبٍ وذلول لتنميته وتطويره ، وتحديثه وتجميله ، التعاون دأبه ، والتّعاضض نهجة ، والمسارعة في الخيرات دربه ،ديدنه العمل ، وسراجه الأمل ، وبُغيته خدمة المواطن ، والارتقاء للوطن
قد رضعْتُ الهوى بمكة طفلاً
في حمى المسجد الحرام حلالا 
حيث تهوى القلوب يحدوبها الشّعْ
رُ وحرُّ الجوى إليه تعالى
وتغنّيتُ بالجمال مذاباً
في سراة الحجاز يُذكي الخيالا

فبشراك أيها الطائف ، فالفارس أقبل والمستقبل -بتوفيق الله- أجمل فتهيّأ لمن يُعيد لك شبابك ويكسوا إيهابك ويزيّنك بإيهاب يليق ، مطرّزاً بالبريق ، جمّل الله أيامك وحقّق أحلامك.
الهامش 
(١) من قصيدة للشاعر الدكتور محمد بن سعد بن حسين 
(٢)من قصيدة للشاعر الأستاذ أحمد إبراهيم الغزاوي رحمه الله
(٣) من قصيدة للشاعر اللواء المتقاعد علي بن صالح الغامدي رحمه الله
(٤) من قصيدة للشاعر الأستاذ حسين عرب رحمه الله 
(٥) من قصيدة للشاعر الأستاذ حمزة شحاته رحمه الله 
(٦) من قصيدة للأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله 
(٧) من قصيدة للشاعر الأستاذ عبد العزيز الرفاعي رحمه الله  
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق