بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 14 يوليو 2010

عرب الأمس وعرب اليوم(مقال)

 
حدّثني صديق عزيز وزميل كريم قال : بعد نكسة حزيران عام 1967م وما خلّفته في النفوس من أسى عميق ، دهمتني - مثل غيري - داهمة نفسية، آثرت معها أن أروّح عن نفسي، فيممت وجهي نحو بلاد الأندلس لأرى أمجاد العرب يوم كان للعرب أمجاد تُقرأ، وتاريخ يُروى، وحضارة علوم ومعارف، قبل أن تغرب شموسنا، وتتضاءل عزائمنا ويذهب ريحنا، قال : فذهبت إلى الحمراء زائراً ومستعبراً، ووقفتُ أُشاهد القصور، وأسوح بين الدور، أستنشق عبق التاريخ يوم كان لنا تاريخ يعبق.
وقفت بالدار كأني أستعيد قول الشاعر :
ماذا قرأت عن الديار
من قبل يغشاها الدمارْ
كانت مغاني عزّةٍ
فغدت نوادٍ للقمارْ
كانت ملامح أُمّةٍ
سارتْ لغاياتٍ كبارْ
واليوم هُمْ في نكسةٍ
صَغروا فعاشوا في صغارْ
((لا يسلم الشرف الرفيع))
إذا تمادى في انحدارْ
قال : وقاطع استغرابي أسبانيُّ سائح أحسب أنه قارب الستين.
وسألني : أعربيٌ أنت؟
قلت : نعم، فأثنى على همم وعزائم العرب وأمجادهم وحضارتهم، فكأنه خفّف ما بي من جروح، وما ألمّ بي من قروح، ثم استدرك حتى لا يطول زهوي فقال : ليس عرب اليوم ولكن أولئك العرب الأقدمون الذين استحقوا الحياة بما قدّمه علماؤهم من علم، وما نبغ فيه جهابذتهم من فكر وما أُثر عن أعلامهم من بناء، وما أنتجته حضارتهم من رُقيٍّ ونهضة. فكانوا أهلاً للمجد. هذه شواهدهم فأين شواهدكم اليوم؟
ثم تركني لا أحير جواباً.
قال : انكفأتُ على نفسي أسترجع تاريخ أُمّة عريقة بلغتْ شطّ اللّوار في اوربا، ووقفت على مشارف الصين في آسيا، وساحت في أروقة العلم حتى أصبحتْ معارفهم منهلاً ثراً لمن أراد المعرفة والثقافة والعلم.
العرب الأقدمون صنعوا حضارة، لأنهم كانوا يريدون معجزة (( بفتح الميم وفتح الجيم والزاء)) ، يقول أكثم بن صيفي : ( ما أحب أن أكون مكفيٌّ كلِّ أمر الدنيا،
قيل : ولم؟
قال : (( أخاف عادة العجز)) ، ونحن استحلسنا العجز فجعلناه شعاراً ودثاراً، أولى بنا أن نُردّد : (( نُعيب زماننا والعيب فينا )) عسى أن يكون لنا في ذلك محفزة نستعيد بها الحق المغيّب ولو ضاع .
 
المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة
3 \8\1431 هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق