بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 3 يونيو 2007

كُلٌ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ (مقال)

أصلحك الله يا أبا نزار، كأنّي بكَ يوم شاهدتُك عن بُعدٍ تقتعدُ كرسيَّكَ عُصَيْر يوم قائظٍ بالثمانينيات من القرن الفارط، بقهوة كاظم بطريق المدينَة في جدّة (عروس البحر الأحمر)، عندما كان طريقُ المدينة مُتنزهاً للمُتنزهين، ومقصدًا للمُنتجعِين، ولعلّك تذكرُ يا أبا نزار أنَّ الملك فيصل -رحمه الله- كان يسلُك ذلك الطريقَ قُبيلَ مغربِ كلَّ يوم اذا كان في جدّة، ويجلس مع قليل من مُرافقيه في شمال جدّة في موقع من شارع فلسطين الآن ، وبُعيدَ صلاة المغرب يعود أدراجَه ، كان ذلك قبل أن تمتدّ مدينةُ جدّة بانبعاج شمالاً وشرقاً لم تحفّه العناية ، ولم يحفل به التَّنظيم. كنتَ أبا نزار تجلسُ -كدأبك- وحيداً إلَّا من أفكارك ، مُنفرداً إلَّا من نجواك، وأحسبُكَ -والله حسيبك- كنت في مناجاةٍ مع ادارة الأرقام وتدوير الأموال ، وهي رحلة عمرك وأثيرة قلبك . ثم رأيتُكَ بعدها مرّات ومرّات أنيقاً كعادتك، مُعتمراً غترتك ، رغم تعوّد النّاس في تلك المدينة الساحلية الرّطبة على التحرّر من غطاءِ الرأس، تقف غير بعيد منك سيارتُك الفورد البيضاء (تلقّ) على قول اخواننا في نجد ، لا أكتمك أبا نزار أنّ الرّغبة ساورتني آنذاك أكثر من مرّة في الهجوم على وحدتك ، والتطّفل على أفكارك ، وكأنّما عوّقتْني بادرةُ احترامٍ لخلوتك التي هربتَ بها من تجمُّع المنتفعِين وتزاحم اهل المصالح، اللذين لا شكّ يُغريهم علوّ منصبك،  وسموّ وظيفتك ، إذ كنتَ آنذاك في وظيفة مرموقة ومنصب رفيع بمؤسسة ماليّة ، والمالُ يُسعى له في كل زمان . 
عفاك الله أبا نزار تسألني الآن .. لَِما لَمْ ابتدرك بالسّلام ، وأقطع حبل افكارك بمبادرة الكلام ؟ والحديث بُغية ، وهو اول القرى ، غفر الله لك تسألني بعد ان شاب منك الفَوْدُ ، واكتهل العٓارضُ ، وتجلّل الرأسُ بالثلجٍ ، لقد خشيتُ يا صاحبي ان تحشرني في زمرة المنتفعِين وعصبة المتطلّعين . سبحان الله أبا نزار شرّقتَ وغرّبتَ في رحلاتك مع عَصَبِ الحياة ، كنتَ موظّفاً مرموقاً، وانتقلتَ لتَكون رئيس مجلس ادارة لبنكٍ مهم، ثم بنيتَ في الخليج صرحاً مالياً ، أبقيتَ به عملاً صالحاً، وذكرى عطرة وألقيتَ عصا ترحالك في مجلس الشورى، ثم لم تلبثْ أن عُدتَ إلى جدّة مدينتك التي عشقتَ ، ومنتجعك الذي احببتَ ، ولم يتوقف بك المسيرُ مادام (عند الصباح يَحْمَدُ القومُ السُّرى) ، فأنت الآن تجدُّ وتجتهدُ في بناءِ شركة لإدارة الأموال ، وما كان المالُ لك بُغْيةً ، ولكنّك تتطلّع لحسن إدارته، وتنميته عُدّةً للوطن، وسعادةً وبحبوحةً للمواطن. 
رعاك الله أبا نزار، لعلّك تذكرُ قُبيلَ سنوات عندما هاتفتُك ، وإذا أنت في نيويورك ، وقلتَ : إنك بعد دقائق على موعد عشاء مع كوفي عنان ، وأجبتُك : أبعدتَ الشُّقَّةَ يا صاحبي ، عجيب امرُك، فكثيرٌ من الناس يهرعون لرؤية (أنا نيكول) و(باريس هيلتون) وأضرابهما ، وأنت تخطف جنبات الأرض ، وتضرب أكباد الطائرات للقاء امين عام الأمم المتحدة(آنذاك) ، فكان ردُّك: ( كُلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، نعم، هذا نهجُك ، نهجُ محمد أحمد عبداللطيف، الرجل الذي عشق إدارة المال ، فكان مبرّزاً في عمله، ومميّزاً بإخلاصه ، ومتميّزاً بأخلاقه ، وعَلَماً مَالياً مرموقاً . وَفَّقَه الله وأعَانَهُ .
جريدة المدينة
الاثنين ١٨ / ٥ / ١٤٢٨ هـ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق